كان / أبو دلامة ينطلق لاستدرار عطايا الخلفاء فدخل مرة على / السفاح فقال له :-



- سلني حاجتك .



فتنحنح / أبو دلامة وقال :-

 

- أريد كلباً لأصطاد به .



صاح الخليفة :-

 

- ألهذا جئتني في هذه الساعة ؟



وصاح الخليفة في الغلام الذي يقف وراءه وكأنه يريد أن ينهي المقابلة بسرعة :-

 

- أعطوه كلباً .



ولكن ( أبا دلامة ) لم يغادر المكان، بل تقدم خطوة أخرى من الخليفة وقال :-

 

- وهل أخرج في البيداء الواسعة، فأطارد صيدي على قدمي هاتين ؟

 

فصرخ الخليفة :-

 

ـ أعطوه فرساً يركبها .



قال / أبو دلامة :-

 

- ومن يعتني بهذه الفرس، ويمسك لي الصيد، ويحمله معي ؟

 

قال الخليفة :-

 

- أعطوه غلاماً يساعده في صيده .



قال / أبو دلامة :-

 

- وحين أعود إلى البيت محملاً بصيدي، فمن ينظفه ويطبخه لي ؟



قال الخليفة :-

 

- أعطوه جارية تعينه في البيت .



سأل / أبو دلامة :-

 

- وهل سأترك هذين البائسين يبيتان في العراء ؟



قال الخليفة :-

 

- أعطوه داراً تجمعهم .



سأل / أبو دلامة :-

 

- وكيف سيعيشون بعد ذلك إن لازمني النكد وسوء الطالع، ولم أوفق بالصيد شهراً أو شهرين ؟



قال الخليفة :-

 

- أعطوه مئة جريب عامرة ومئة جريب غامرة .



سأل / أبو دلامة :-

 

- وما هي الغامرة يا أمير المؤمنين ؟



أجاب الخليفة :-

 

- الأرض المالحة التي لا نبت فيها .



في هذه اللحظة هز ( أبو دلامة ) يده ساخراً وقال :-

 

- إذن أنا أعطيك مئة ألف جريب غامرة، في صحراء العرب .



فصاح الخليفة بمن في المجلس، وهو يضحك، وقد خرج عن جده وصرامته :-

 

- اجعلوها كلها عامرة، قبل أن يطلب هذا الكرسي الذي أجلس عليه .



قال / الجاحظ : فانظر إلى حذقه في المسألة ولطفه فيها، ابتدأ بالكلب فسهل
القصة وجعل يأتي بما يليه على ترتيب وفكاهة حتى نال ما لم سأله ابتداء ما
وصل إليه .