العلاّمة الطيب العقبي



أ. أسامه شحادة



تمهيد:



الشيخ الطيب العقبي من أركان الإصلاح في الجزائر، ومن أعمدة جمعية العلماء المسلمين فيها، كان صاحب مواقف قوية ضد الشرك والبدع والخرافات، حتى كان الطرقيون والمبتدعة يطلقون على دعاة التوحيد لقب "عقبي" !!





مولد العقبي ونشأته



هو الطيب بن محمد بن إبراهيم، ولد في شهر شوال سنة 1307هـ الموافق لـ 1890م في الجزائر بضواحي بلدة «سيدي عقبة» التي ينسب إليها.



هاجرت أسرته إلى الحجاز للحج سنة 1313هـ وكان صغيراً، ثم في السنة التالية سكنت عائلته المدينة النبوية في أول سنة 1314هـ /1895م، هرباً من حملات الفرنسيين بتجنيد الجزائريين في صفوف الجيش الفرنسي، ولايزال بعض أقاربه في السعودية لليوم ويحملون جنسيتها.



وفي المدينة المنور قبر أبويه وعمه وعم والده وأخته، وجلّ من هاجر من أفراد عائلته، كلهم دفنوا هناك ببقيع الغرقد رحمة الله عليهم، وقد توفي والده والعقبي في سن الثالثة عشر، وبعد وفاة والده أصبح يتيماً فتربى في حجر أمه، وقد سخر الله له شقيقه الأصغر حيث كان هو من يقوم بقضاء ما يلزم من الضروريات المنزلية فتفرغ للعلم.



فقرأ القرآن على أساتذة مصريين برواية (حفص) ثم شرع بحضور دروس بعض العلماء بالحرم النبوي، مثل الشيخ محمد بن عبد الله زيدان الشنقيطي الذي أخذ عنه الأدب والسيرة، والشيخ حمدان الونيسي والذي كان من أبرز العلماء السلفيين في الجزائر وكان مربي ابن باديس، ثم هاجر للمدينة المنورة، وقد قابله ابن باديس في المدينة حين قدم للحج، وفي المدينة المنورة كان أول لقاء للعقبي مع ابن باديس والبشير الإبراهيمي، وكان لتأثرهم بالشيخ حمدان الونيسي أن اجتمعت أفكارهم ونشاطهم السلفي على الإصلاح.



وقد نبغ العقبي في العلم برغم عدم انتظام دراسته في معاهد علمية وتميز في نظم الشعر والأدب، ثم عمل العقبي بالتدريس، وبدأ مسيرته الإصلاحية بالكتابة في الصحف الحجازية داعياً للإصلاح والعمل فلقيت مقالاته قبولاً عند المسلمين وفتحت له صداقة ومراسلة مع بعض المصلحين المعروفين كشكيب أرسلان ومحبّ الدين الخطيب، وأصبح من أنصار ودعاة فكرة الجامعة الإسلامية ضد أنصار الاستعمار والقوميات الضيقة كحزب الاتحاد والترقي، وبذلك ترسخ منهجه السلفي الإصلاحي وانتشر صيته ودوره بين المصلحين والنهضويين.



ولهذا قام ساسة ورجال حزب تركيا الفتاة بنفيه إلى شبه الجزيرة التركية أكثر من سنتين، عقب ثورة الشريف حسين بسبب مقالاته في الصحف ولعدم تعاونه معهم، وقد لحقت به عائلته بعد خراب المدينة، وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى عاد إلى مكة المكرمة، فأكرمه الشريف حسين وتولى رئاسة تحرير جريدة «القبلة» وإدارة «المطبعة الأميرية» في مكة خلفا للعلامة محب الدين الخطيب.



وفي مكة زاد اطلاعه على الدعوة السلفية في نجد (دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب)، حتى لقب في الجزائر بالوهابي، بسبب نشاطه الكبير في الدعوة للعقيدة السلفية ونبذ الشرك، ومن الطريف أن العقبي يشابه الإمام ابن عبد الوهاب من حيث أنه حين عاد لبلده عاد سلفيا يحمل الدعوة للتوحيد ونبذ الشرك فعاداه قومه، وانظر للعقبي يلخص دعوته ومنهجه في أبيات شعرية فيقول:



ماتت السنة في هذي البلاد           قبر العلم وساد الجهل ساد



أيهـا الـسائـل عـن مـعـتـقــدي         يـبـتـغي مـنـي مــا يحوي الفؤاد



إنــني لــست بــبدعــي ولا خــارجــي دأبــه طــول العــناد



منهجي شرع النبي المصطفى         واعتقادي سلفي ذو سداد



لم أطُف قط بقبر لا ولا                    أرتجي ما كان من نوع الجماد



لا أنادي صاحب القبر أغث               أنت قطب أنت غوث وسناد



لا أسوق الهدي قربانا له                زردة يدعونها أهل البلاد



ويقول:                               



مذهبــي شــرع النبي المصطفى                واعتقادي سلفـي ذو سـدادْ



  خطتـي علـمٌ وفكــرٌ ونظـرْ                          في شؤون الكون بحثٌ واجتهادْ



 وطريـق الحــق عنـدي واحـدٌ                       مشربي مشربُ قـربٍ لا ابتعادْ







رجوعه إلى الجزائر